قراءة أولية للقانون رقم 09-09 المتعلق بالعنف المرتكب في الملاعب الرياضية :
يعتبر العنف في الملاعب الرياضية ظاهرة عالمية تتطلب دراسة عميقة وآنية، من أجل إيجاد حلول واقعية، وخاصة بعد عودة أعمال الشغب إلى الملاعب الرياضة خلال السنوات الأخيرة، والتي أصبحت أمرا مقلقا للغاية ، تعكس صورة سلبية عن الرياضة وتضرب في الصميم الروح الرياضية للأندية ، وتخلق بشكل رئيسي دمارا للمنشآت الرياضية، فضلا عن تعريض اللاعبين والمشجعين وقوات الأمن للخطر .
إشكالية العنف الرياضي وشغب الملاعب وفق القانون رقم 09-09. |
مما استلزم الأمر التفكير في مقاربات أمنية، زجرية واجتماعية من طرف جميع القطاعات المعنية بهدف تقديم حلول واقعية لهذه الظاهرة.
فكيف تعامل المشرع مع العنف الرياضي وشغب الملاعب وفق القانون رقم 09-09؟ وماهي أهم المقاربات التي التي تم نهجها ، فهل اعتمد المشرع المغربي على مقاربات أمنية أم استباقيها للقضاء على هذه الظاهرة؟ وأية حلول لهذه الاشكالية التي أصبحت ظاهرة عالمية تثير الجدل، في ظل التحولات التي يعرفها قطاع الرياضة ، وخاصة مع ظهور مجموعات الألتراس العالمية؟
المقاربة القانونية و الاستباقية للحد من ظاهرة شغب الملاعب :
نظرا لتزايد أعمال الشغب في كثير من الدول ومن بينها المغرب ، تم إطلاق حملات تحسيسية بخطورة هذه الظاهرة في صفوف المشجعين، وتم اعتماد مقاربة أمنية استباقية، من خلال إحداث فرق أمنية خاصة مسؤولة عن ضمان الأمن في التظاهرات الرياضية ، حيث تقوم بمرافقة المشجعين ومرافقتهم تفاديا لأي اصطدام محتمل داخل صفوف الجماهير.
كما تم الاحتكام للقانون رقم 09-09 الصادر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.38 بتاريخ 2 يونيو 2011 ، متمما بذلك مقتضيات القانون الجنائي فيما يتعلق بالعنف المرتكب أثناء أو بمناسبة المنافسات أو الأحداث الرياضية، و خاصة الفرع الثاني مكرر الذي أضيف إلى الباب الخامس في جزئه الأول من الكتاب الثالث وفق المادة 308 مكرر، المواد من 308-1 إلى 308-19 ، والذي يهدف بالأساس إلى ضمان التطبيق الصارم للقانون على جميع المتورطين في أعمال العنف الرياضي سواء تعلق الأمر بالعنف المرتكب أثناء المباريات أو في التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها.
وبناء على القراءة المتأنية لمقتضيات هذا القانون، يتبن أنه يتميز بمجموعة
من السمات وهي على الشكل التالي :
أولا: إدراج القانون رقم 09ـ09 ضمن مقتضيات القانون الجنائي
على اعتبار أن المشرع المغربي عند صياغته لهذا القانون لم يمنحه الطابع الخاص، وإنما أدرجه ضمن مجموعة القانون الجنائي المغربي و خاصة الفصول من 308 - 1 إلى 308- 19 .
ثانيا : إقحام بعض المقتضيات التي لا تدخل ضمن جرائم العنف في القانون رقم 09-09
حيث أدخل
المشرع المغربي بعض الجرائم في هذا
القانون ، رغم أنها لا تدخل ضمن مجال العنف وشغب الملاعب كما هو الشأن للمضاربة في
التذاكر ( الفصل 308- 12 ) .
ثالثا : نهج تقنية الإحالة في القانون رقم 09-09 .
ذلك أن
المشرع أحال على بعض المقتضيات الجنائية الأخرى بصفة صريحة أو ضمنية ، إما بشكل
عام كالفصل 403 من القانون الجنائي الذي
أحال عليه الفصل 308-1 ، وإما بشكل خاص كما هو الشأن للفصل 68 من قانون حرية
الأسعار والمنافسة الذي عاقب على المضاربة في التذاكر والتي يصل الحد الأقصى
لعقوبتها سنتين .
رابعا : تعدد أشكال الجرائم وتنوعها في القانون رقم 09-09 :
ذلك أن المشرع لم يقتصر على نوع واحد من الجرائم ، وإنما حدد ثلاث أصناف رئيسية وهي محددة فيما يلي :
- أعمال العنف التي تسبب موت طبقا للفصل 308 – 1 ؛
- أعمال العنف التي استعمل خلالها ضرب أو جرح أو أي نوع أخر من العنف طبقا للفصل 308 – 2 ؛
- أعمال العنف التي تسبب أضرار مادية بأملاك عقارية أو منقولة طبق للفصل 308 – 3 .
خامسا : تقدير العقوبة وفق القانون رقم 09-09 حسب جسامة الجرم المرتكب
ذلك أن
المشرع المغربي منح السلطة التقديرية للقاضي في تفريد العقوبات، إما حبسا في إطار الحدين
الأدنى والأقصى من شهر إلى خمس سنوات ، وإما غرامة فقط، وإما اللجوء إلى تدابير وقائية حسب الحالة .
تقييم للعقوبات الصادرة في القانون رقم 09-09 :
تضمن القانون رقم 09-09 مجموعة من المقتضيات الزجرية ، عن أعمال التخريب
أو العنف المرتكبة داخل الملاعب والبنى التحتية الرياضية الأخرى ، ونص على عقوبات عديدة
ضد مثيري الشغب، حيث عاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 1200 إلى 20000 درهم
كل من شارك في أعمال عنف أثناء المنافسات أو الأحداث الرياضية أو بمناسبتها طبقا للشروط
المنصوص عليها في المادة 403 من نفس القانون.
كما نص على عقوبة الحبس من 3 أشهر إلى سنتين والغرامة من 1200 إلى
10000 أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من شارك في أعمال عنف تسبب في الإيذاء والاعتداء
والضرب على الآخرين أو أي شخص آخر عمل من أعمال العنف.
يضاف إلى ذلك الغرامة التي تتراوح بين 1200 و5000 درهم لكل شخص يحاول
استخدام القوة أو الاحتيال للوصول إلى المواقع الرياضية ، ولا تتوقف عقوبات مكافحة
العنف في الملاعب عند هذا الحد؛ ويمكن مضاعفتها في حالة التكرار.
كما جرم المشرع المغربي بعض الأفعال التي لا تدخل في إطار العنف ،
كما هو الشأن للفصل 308-12 من القانون 09-09 والذي نص على أنه يعاقب بغرامة تتراوح
بين 1200 إلى 10000 أي شخص يضبط وهو يبيع تذاكر المباريات أو المسابقات الرياضية بأسعار
أعلى أو أقل من تلك التي حددها المنظمون.
غير أن مقتضيات القانون رقم 09.09 لم يشر لا صراحة ولا ضمنا لإشكالية ولوج القاصرين
ودخولهم إلى الملاعب الرياضية ، على اعتبار أن أعمال الشغب المرتكبة في هذا الخصوص
تكون غالبا بسبب هذه الفئة الجانحة ، مما استلزم الأمر التدخل من طرف
السلطات المعنية ، بحظر دخول القُاصرين غير المرافقين لأي أحد إلى الملاعب.
أية حلول لظاهرة العنف الرياضي وشغب الملاعب ؟
للحد من مخاطر هذه الظاهرة ، يتطلب الأمر عملا مشتركا لجميع القطاعات
المعنية لوضع استراتيجية وطنية تهدف بالأساس إلى التوعية بمخاطر ظاهرة الشغب في الملاعب ، ومكافحة
تداعيات العنف كظاهرة اجتماعية والحفاظ على القيم الرياضية ومبادئ التسامح في المجتمع
، والتطبيق الصارم للمقتضيات الزجرية في هذا الشأن مع العمل على تجسيد المقاربة
الأمنية الاستباقية والتوعوية في نفس الوقت .
لكن ينبغي أن تتمحور هذه الإستراتيجية حول تعبئة جميع المنظمات والجمعيات الرياضية والشبابية ووسائل الإعلام لتوعية الشباب حول ظاهرة الشغب والعنف في الملاعب، وإشراك الاتحادات والجامعات والأندية الرياضية بشكل كامل، وتحمل مسؤولياتهم التعليمية والفنية تجاه اللاعبين والمنتخبات والجمهور، ونشر ثقافة الرياضة و التربية البدنية داخل المدارس والمناهج الدراسية لترسيخ مبادئ الروح الرياضية وتقبل النتيجة مهما كانت .