أنواع دهون الجسم وكيفية حسابها:
لطالما ارتبطت دهون الجسم في أذهان الكثيرين بصورة سلبية، فهي العدو اللدود للرشاقة والصحة. نسعى جاهدين للتخلص منها باتباع الحميات القاسية وممارسة التمارين المرهقة. لكن الحقيقة أعمق وأكثر تعقيدا من ذلك.
.webp "تعرف على دهون الجسم لفهم تركيبة أجسامنا من الداخل") |
| تعرف على دهون الجسم لفهم تركيبة أجسامنا من الداخل. |
دهون الجسم ليست مجرد مخزن للطاقة الزائدة، بل هي عضو نشط يلعب دورا حيويا في العديد من وظائف الجسم الأساسية. في هذا المقال، سنغوص في عالم دهون الجسم، ونستكشف أنواعها المختلفة، ووظائفها الهامة، وكيفية الحفاظ على مستويات صحية منها لتحقيق التوازن الأمثل لصحتنا.
ما هي دهون الجسم؟
دهون الجسم، أو الأنسجة الدهنية (Adipose Tissue)، هي نوع من الأنسجة الضامة تتكون بشكل أساسي من خلايا دهنية تسمى الخلايا الشحمية (Adipocytes). هذه الخلايا متخصصة في تخزين الطاقة على شكل دهون ثلاثية. تلعب الدهون دورا حيويا في العديد من العمليات الفيزيولوجية، منها توفير الطاقة وحماية الأعضاء الداخلية وإنتاج الهرمونات وتنظيمها وغيرها.
أنواع دهون الجسم:
عندما نتحدث عن دهون الجسم، غالبا ما يتبادر إلى أذهاننا صور سلبية تتعلق بزيادة الوزن والمشاكل الصحية. ومع ذلك، فإن الحقيقة أكثر تعقيدا وإثارة للاهتمام. فالدهون ليست مجرد مخزون للطاقة، بل هي نسيج حيوي يؤدي وظائف أساسية في أجسامنا. فهم أنواع الدهون المختلفة وأدوارها يمكن أن يساعدنا في اتخاذ قرارات صحية أفضل وتحقيق تركيبة جسمانية مثالية.لذلك، سوف نتطرق إلى دهون الجسم، ونستكشف أنواعها المختلفة، ووظائف كل نوع، وكيفية الحفاظ على مستويات صحية منها.
أولا: الدهون الأساسية (Essential Fat)
الدهون الأساسية هي الحد الأدنى من الدهون اللازم للحفاظ على وظائف الجسم الطبيعية. هذه الدهون ضرورية لعمل الأعصاب، والدماغ، ونخاع العظام، والأعضاء الداخلية. لا يمكن الاستغناء عن هذه الدهون، ومحاولة تقليلها إلى مستويات منخفضة جدا يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة. من وظائفها:
- دعم وظائف الأعضاء الحيوية.
- تنظيم الهرمونات.
- تسهيل امتصاص الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون (A، D، E، K).
- الحفاظ على درجة حرارة الجسم.
تختلف النسبة الصحية للدهون الأساسية بين الرجال والنساء. بشكل عام، تتراوح النسبة الصحية للرجال بين 2% و 5%، بينما تتراوح للنساء بين 10% و 13%، وذلك بسبب الأدوار الهرمونية والإنجابية.
ثانيا: دهون التخزين (Storage Fat)
دهون التخزين هي الدهون التي تتراكم في الجسم لتوفير الطاقة عند الحاجة. تنقسم هذه الدهون بشكل أساسي إلى نوعين رئيسيين: الدهون تحت الجلدية والدهون الحشوية.
- الدهون تحت الجلدية (Subcutaneous Fat): الطبقة الواقية تحت الجلد
الدهون تحت الجلدية هي الطبقة الدهنية الموجودة مباشرة تحت الجلد. هي النوع الأكثر وضوحا من دهون الجسم، وهي المسؤولة عن المظهر "الناعم" أو "الممتلئ" للجسم. من وظائفها:
- تخزين الطاقة على المدى الطويل.
- عزل الجسم والحفاظ على درجة حرارته.
- حماية العضلات والعظام من الصدمات.
تتوزع الدهون تحت الجلدية في جميع أنحاء الجسم، ولكنها تميل إلى التراكم بشكل أكبر في مناطق معينة مثل البطن، والوركين، والفخذين، والأرداف. تشكل الدهون تحت الجلدية حوالي 90% من إجمالي دهون الجسم. ومع ذلك، المستويات الصحية تختلف بين الأفراد وتعتمد على عوامل مثل العمر والفئة ومستوى النشاط البدني.
- الدهون الحشوية (Visceral Fat): الخطر الخفي حول الأعضاء
الدهون الحشوية هي الدهون التي تتراكم حول الأعضاء الداخلية في تجويف البطن، مثل الكبد، والكلى، والأمعاء. غالبا ما يُشار إليها باسم "الدهون العميقة" أو "دهون البطن الداخلية". من وظائفها:
- تعمل كمخزن للطاقة. عند الحاجة، يقوم الجسم بتكسير هذه الدهون وتحويلها إلى طاقة لدعم وظائفه المختلفة.
- تعمل كوسادة واقية للأعضاء الداخلية، حيث تحميها من الصدمات والإصابات الخارجية.
- تحفاظ على درجة حرارة الأعضاء الداخلية ثابتة، وحمايتها من التغيرات الشديدة في درجة الحرارة الخارجية.
- تشارك في عمليات التمثيل الغذائي المختلفة، وتؤثر على كيفية معالجة الجسم للسكر والدهون.
لكن رغم ذلك، من مخاطر المستويات العالية من الدهون الحشوية مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بالعديد من المشاكل الصحية الخطيرة، بما في ذلك:
- مقاومة الأنسولين وداء السكري من النوع الثاني.
- أمراض القلب والأوعية الدموية.
- ارتفاع ضغط الدم.
- بعض أنواع السرطان (مثل سرطان القولون والثدي).
- التهاب مزمن.
- الزهايمر والسكتة الدماغية.
وبشكل عام، يصعب قياس الدهون الحشوية بدقة عن طريق الفحص البدني وحده. يمكن لتقنيات التصوير المتقدمة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) والتصوير المقطعي المحوسب (CT scan) توفير قياس دقيق، ولكن غالبا ما يُستخدم قياس محيط الخصر كمؤشر لتقدير مستوى الدهون الحشوية. محيط الخصر الذي يزيد عن 35 بوصة للنساء و 40 بوصة للرجال يعتبر مؤشرا على زيادة الدهون الحشوية.
ثالثا: أنواع أخرى من دهون الجسم
بالإضافة إلى الدهون البيضاء (التي تشمل الدهون تحت الجلدية والحشوية)، هناك أنواع أخرى من الدهون في الجسم تحظى باهتمام الباحثين:
- الدهون البنية (Brown Fat): مولد الحرارة الطبيعي
الدهون البنية هي نوع من الدهون يختلف عن الدهون البيضاء في تركيبته ووظيفته. تحتوي الخلايا الدهنية البنية على عدد كبير من الميتوكوندريا الغنية بالحديد، مما يمنحها لونها البني. من وظائفها:
- توليد الحرارة عن طريق حرق الأحماض الدهنية والجلوكوز.
- تنظيم درجة حرارة الجسم، خاصة عند الرضع وفي الظروف الباردة.
يعتقد أن كمية الدهون البنية في البالغين قليلة جدا، وتتركز بشكل أساسي في منطقة الرقبة والكتفين. ومع ذلك، تشير الأبحاث إلى إمكانية زيادة نشاط الدهون البنية لدى البالغين من خلال التعرض للبرد أو بعض الأدوية، مما قد يكون له آثار إيجابية على التمثيل الغذائي وفقدان الوزن.
- الدهون البيجية (Beige Fat): المتحول القادر على حرق السعرات الحرارية
الدهون البيجية هي نوع من الخلايا الدهنية التي تقع في مكان ما بين الخلايا الدهنية البيضاء والبنية. يمكن للخلايا الدهنية البيضاء أن تتحول إلى خلايا دهنية بيجية في ظل ظروف معينة، مثل التعرض للبرد أو ممارسة الرياضة. من وظائفها:
- زيادة نشاط هذه الخلايا يمكن أن يؤدي إلى زيادة استهلاك الطاقة وتقليل تراكم الدهون، مما يساعد في الوقاية من السمنة وعلاجها.
- تشير الدراسات إلى أن تنشيط الدهون البيجية يمكن أن يحسن من حساسية الأنسولين، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم وزيادة خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني.
- تنشيط الدهون البيجية قد يؤثر على تنظيم الشهية وتقليل الرغبة في تناول الطعام، مما قد يساهم في التحكم في الوزن.
لكن بالرغم من ذلك، لا تزال الأبحاث جارية لفهم كيفية تحفيز تحويل الدهون البيضاء إلى دهون بيجية بشكل فعال، حيث قد يمثل ذلك هدفا علاجيا جديدا لمكافحة السمنة والأمراض الأيضية.
وعموما، يشكل فهم أنواع دهون الجسم المختلفة ووظائفها وأهميتها لصحتنا، خطوة حاسمة نحو تبني نمط حياة صحي. ليست كل الدهون ضارة، فالدهون الأساسية ضرورية لبقائنا. لذلك، من خلال اتباع نظام غذائي متوازن وممارسة النشاط البدني بانتظام وإدارة مستويات التوتر، يمكننا الحفاظ على نسبة صحية من دهون الجسم وتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
وظائف دهون الجسم بشكل عام:
كما ذكرنا سابقا، فإن دهون الجسم ليست مجرد مخزن سلبي للطاقة، بل تلعب العديد من الأدوار الهامة في الحفاظ على صحة الجسم، منها:
- تخزين الطاقة وإطلاقها: الوظيفة الأساسية للدهون هي تخزين الطاقة الزائدة من الطعام على شكل دهون ثلاثية وإطلاقها عند حاجة الجسم إليها.
- عزل حراري: تعمل طبقة الدهون تحت الجلد كعازل حراري يساعد في الحفاظ على درجة حرارة الجسم الطبيعية.
- حماية الأعضاء: تعمل الدهون كوسادة واقية للأعضاء الداخلية، تحميها من الصدمات والإصابات.
- تنظيم الهرمونات: تفرز الأنسجة الدهنية العديد من الهرمونات والبروتينات التي تلعب دورا في تنظيم الشهية (مثل الليبتين)، وحساسية الأنسولين (مثل الأديبونكتين)، والالتهابات، ووظائف أخرى.
- امتصاص الفيتامينات: الدهون ضرورية لامتصاص الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون (A، D، E، K).
- دعم وظائف الخلايا: تدخل الدهون في تركيب أغشية الخلايا وتساهم في وظائفها المختلفة.
قياس دهون الجسم:
هناك عدة طرق لتقدير نسبة دهون الجسم، تتفاوت في دقتها وسهولة استخدامها:
- قياس ثنيات الجلد (Skinfold Calipers): طريقة غير مكلفة وسريعة نسبيا تتضمن قياس سمك ثنيات الجلد في عدة مناطق من الجسم باستخدام جهاز يسمى الكاليبر، ثم استخدام معادلة لتقدير نسبة الدهون. تتطلب مهارة ودقة للحصول على نتائج موثوقة.
- المقاومة الكهربائية الحيوية (Bioelectrical Impedance): طريقة تستخدم جهازا يرسل تيارا كهربائيا ضعيفًا عبر الجسم لقياس مقاومته. الأنسجة الدهنية تقاوم التيار الكهربائي أكثر من الأنسجة العضلية، ويتم استخدام هذه المقاومة لتقدير نسبة الدهون. تتأثر هذه الطريقة بمستوى الترطيب في الجسم.
- قياس الوزن تحت الماء (Hydrostatic Weighing): طريقة دقيقة تعتمد على مبدأ أرخميدس، حيث يتم قياس وزن الشخص في الهواء وتحت الماء، ويتم استخدام الفرق في الوزن لتقدير حجم الجسم وكثافته، وبالتالي نسبة الدهون. تتطلب معدات متخصصة.
- امتصاص الأشعة السينية ثنائي الطاقة (DEXA): تعتبر طريقة دقيقة جدًا تستخدم مستويات منخفضة من الأشعة السينية لقياس تكوين الجسم، بما في ذلك كتلة العظام والعضلات والدهون. تستخدم غالبا في البيئات الطبية والبحثية.
- قياس الإزاحة الهوائية (Air Displacement Plethysmography): طريقة دقيقة تقيس حجم الجسم باستخدام الهواء المزاح لتقدير كثافة الجسم وبالتالي نسبة الدهون.
رغم أن هذه الطرق تختلف في الدقة، إلا أنها جميعا تعطي فكرة عامة عن حالة الجسم.
النسب الصحية لدهون الجسم:
تختلف النسب الصحية لدهون الجسم بين الرجال والنساء، وذلك بسبب الاختلافات الفسيولوجية والهرمونية. بشكل عام، تحتاج النساء إلى نسبة أعلى من الدهون في الجسم مقارنة بالرجال لدعم وظائف مثل الدورة الشهرية والحمل والرضاعة. بالإضافة إلى ذلك، يلعب العمر ومستوى النشاط البدني دورا في تحديد النطاق الصحي. بشكل عام، تعتبر النسب التالية مقبولة:
| الفئة | الرجال (%) | النساء (%) |
|---|---|---|
| الرياضي | 6-13% | 14-20% |
| لياقة بدنية | 14-17% | 21-24% |
| مقبول | 18-24% | 25-31% |
| زيادة الوزن | 25 % وأكثر | 32 % وأكثر |
- ملاحظات هامة:
- الدهون الأساسية: هي الحد الأدنى من الدهون الضرورية لوظائف الجسم الطبيعية مثل تنظيم الهرمونات والعزل الحراري وامتصاص الفيتامينات.
- الفئة الرياضية: تشمل الرياضيين الذين يمارسون تدريبات مكثفة ويحافظون على نظام غذائي صارم.
- فئة اللياقة البدنية: تشمل الأفراد النشطين الذين يمارسون التمارين الرياضية بانتظام.
- الفئة المقبولة: تعتبر نطاقا صحيا لمعظم الأفراد.
- فئة زيادة الوزن: تشير إلى زيادة في نسبة الدهون وقد تزيد من خطر المشاكل الصحية.
وخلاصة القول، نسبة دهون الجسم ليست مجرد رقم، بل مرآة لصحتك الداخلية. إن الفهم الجيد لهذا المؤشر، ومراقبته، والعمل على ضبطه بطريقة ذكية ومتوازنة، يساعد في الوقاية من الأمراض المزمنة وتحسين جودة الحياة. تذكر دائما أن الاعتدال، والالتزام بأسلوب حياة صحي، هو الطريق نحو جسم مثالي وصحة دائمة.
خاتمة:
دهون الجسم ليست مجرد عبء يجب التخلص منه، بل هي جزء أساسي لوظائف الجسم الصحية. فهم أنواع الدهون المختلفة ووظائفها وأهمية الحفاظ على مستويات صحية منها يساعدنا على اتخاذ خيارات غذائية وحياتية أفضل. الهدف ليس التخلص التام من الدهون، بل تحقيق التوازن الصحي الذي يدعم صحتنا العامة ورفاهيتنا. آمل أن يكون هذا المقال قد قدم لك فهما شاملا لأنواع دهون الجسم وأهميتها لصحتك.
